صوت و ضوء و همس

انطفأت الأنوار من حولنا ، العالم الآن ظلام دامس ، تعالي الهمس ، كم هي كثيرة لغات البشر ، تهامسنا كثيرا ،ثم تعالي الصوت الرخيم و سطعت الأضواء .
كم هي شامخة أعمدة الكرنك العظيم ، ما بين سكوت خوفو و كلام أحمس ، كانت إيزيس الواقفة بجواري تهمس باستمرار في أذني ، هل كانت إيزيس هي إلهة حب المعرفة عند القدماء؟؟!!
في الصباح تطوع عم عبد الحي حارس المقابر و حكي لنا الأسطورة التي صارت حقيقة –إيزيس و أوزوريس – هل كان الرجل يبتسم لي و هو يحكي ؟؟!!
تعالي صوت الحوار بين حتشبسوت و تحتمس الملك و " هل تعلمين أن إيزيس اقوي أثرا في التاريخ من فتوحات رمسيس و تحتمس؟"
مرة أخرى يدنو الصوت الرخيم و يتعالى الهمس و تنطلق الكلمات ، و تتحول كل الهمسات إلى صدي لصوت كلماتي عندما أطلقت فراعنة المعابد لساني من عقاله و تسارعت الكلمات كثيفة كهواء البر الغربي : " لو كانت الشمس وجها و القمر ثغرا و الظلام شعرا لكنت كوني و المجرات، لو يعلم الشعراء أن آلهة الشعر في كل العصور تقبع الآن بجواري أمام البحيرة المقدسة لاخترقوا قدس الأقداس علي الخيول المجنحة كي يروك " ، أحس اليد تقترب من روحي و تحنو عليها ، هل يري أحد هذه الملائكة التي ترفرف أمامي الآن ؟؟
يتهادى الصوت الرخيم و تخفت الأضواء عندما يحكي كيف كان انهيار الحضارة و كيف اندثرت يوم جاءت الغريبة بنت أثينا تسمي نفسها ملكة مصر ، و تعالي الهمس بعد الصوت يحكي كيف أن كل القصص تنهار .
يعلو الصوت الرخيم " شكرا لحسن استماعكم ، انتهت جولة اليوم "
أتحرك واقفا ، استعجلها للمجيء ، تتمشى و تستنشق هواء الليل الأخير ، يتعالى الهمس حولنا كثيرا ، تشكرني علي الجولة ، أودعها و لا اذكر هل كان الهمس همسي أم صدي الأصوات العالية ؟؟!!

سبتمبر 2003