اول يوم

الجامعة من بعيد - زمنيا - تبدو اجمل كثيرا ، كأي شيء اخر ، الزمن له قدرة فائقة علي تنقية اي ذكري من شوائبها ، يتداعي الي ذهني شطرة لمحمود درويش :
لكن الذكري
مثل حدادين ممتازين
تصنع من حديد تافه
قمرا
الجامعة ، اول يوم دراسة حيث كل شيء واضح ، و الطرق مرسومة علي الارض و الجدران ، مجموعة من الطلبة يرتدون ثيابا تقليدية ، مقطبي الجبهات في معظم الاحيان -علامة علي التركيز الشديد اكثر منها علامة علي الشر - مسرعي الخطي في نشاط ، هذا طريق يؤدي الي لافتات في كل مكان من الجدران ، خطبة حماسية ساخنة ، مشادة كلامية -او اكثر - مع الامن ، قهر ، ليالي سوداء طويلة في غرفة مظلمة و استجواب ثم عودة الي ساحة المعركة من جديد ، الاذان في مالطة لا تتبعه - في الغالب - اقامة للصلاة ....
اربعة بنات يقفون في المنتصف ، تستطيع تعريف مكان المنتصف من مكان وقوفهن ، انه الكان الذي يجب ان يمر منه الجميع ، و تتلاقي عنده عيون كثيرة و تعليقات متباينة ، ففي الجامعة حيث كل شيء واضح و الطرق مرسومة علي الارض و الجدران اربعة بنات لهن ملامح واضحة ، شعر مفرود و عيون تم توضيحها جيدا و فم جميل يقول كلاما واضحا خفيفا - خفيف جدا - الوان الملابس واضحة ، ضحكات تتلعلع و الرسالة واضحة ، نحن هنا ، و ننصب انفسنا ملكات لجذب الاهتمام ، لا ازعم قراءة الافكار لكني ازعم ايضا -كرأي شخصي علي الاقل -انه بالابحار في مياه افكارهن فان القاع يبدو واضحا جدا و الفراغات كبيرة ....
حقيبة ، مشية سريعة اتجاه واحد الي المدرج ، انه الجمهور المفضل لدي الاساتذة ، طالب يحاول ان يكون متفوقا ،ة هو علي الاقل يبدو كذلك ، مقطب الجبين ايضا ، و هو يبدو الان فقط منمقا قليلا ، لاننا - بالطبع - اول يوم دراسة ، يصافح احد الزملاء ، يتكلم متعجلا ، يبدأ في كراهية الزميل لأنه تجاوز وقته بالفعل و ربما اراد ايضا ان يتجاوز مجهوده طالبا مساعدة دراسية ليس لها وقت و هي عامة غير مريحة ، هو قنبلة موقوتة للاحباط ، ربما ....
ذوو البدل الرسمية الانيقة - هم في العادة لا يبدون كذلك لكنها مراسم اول يوم دراسة ، بابتسامة انيقة يوزعون اوراقا انيقة ايضا تتحدث عن مزايا الجامعة الانيقة و اماكن هامة يجب ان تزورها حتي الثمالة ، و انجازات انيقة للعميد الانيق و الادارة الانيقة ، يوزعون ايضا مذكرات بها امتحانات منمقة جدا حتي انها ستصبح جزءا كبيرا متن حجم ذكرياتك ، يتكلمون عن بلد و دراسة و اساتذة و نشاط ، الخيال كم هو جميل ....
حشو الكلية ، ذوو الملابس المميزة الواضحة ، الالوان واضحة ، الكلمات واضحة ، الافكار واضحة و خفيفة -جدا - يملئون الفراغات الجميلة خارج المدرجات ، يصنعون الحركة في الطرقات و الكافتريا و عقول الفتيات ...
متخللو الفراغات ، شاردو الذهن ، فرادي غالبا ، تجدهم عند مجلات الحائط ، لوحات معارض الرسم علي الجدران ، ضحكات واضحة احيانا او اكتئاب واضح ايضا و سخرية قاتلة من كل شيء ....
في ركن الكافتريا البعيد صباحا ، اول يوم دراسة ، حيث كل شيء واضح و الطرق مرسومة علي الارض و الجدران ، زهرة حائط تشرب القهوة في صمت و ابتسامة لاسعورية بطرف الفم تاتي من بعيد - زمنيا - حيث هذا الواقع هو ذكري ، و تكتب سطورا للزمن ....